الرئيسية الشأن المحلي “المغرب…وفساد العقول قبل الأفعال ..تحليل نفسي واجتماعي لظاهرة الفساد بهذا الوطن الجريح.”

“المغرب…وفساد العقول قبل الأفعال ..تحليل نفسي واجتماعي لظاهرة الفساد بهذا الوطن الجريح.”

كتبه كتب في 9 فبراير 2024 - 11:50

م.النوري

لا يمكن لبلد يعاني من جروح الفساد وويلاته أن يحقق نموا اقتصاديا ، وهذا ما أدركه قادة الصين الشعبية في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة ، حيث تشير بعض المصادر إلى أن أكبر حملة لمكافحة الفساد في التاريخ الصيني الحديث بدأت منذ 2012 ، حيث تم اعتقال العديد من المسؤولين الملقبين بـ “النمور” بتهم الفساد.

وإذا كانت الصين تعتبر اليوم من أقوى اقتصادات العالم ، فهذا بفضل إجراء إصلاحات جذرية ، بما في ذلك مكافحة الفساد !

وفي المغرب ، تشغل محاربة الفساد الرأي العام والساحة السياسية في الوقت الراهن ، وذلك مع وجود شبهات وتحقيقات تتعلق بمسؤولين وشخصيات ذات نفوذ سياسي كبير ، ومع ذلك فإن مكافحة الفساد ليست جديدة علينا ، فمثلا في خطاب الملكي بمناسبة عيد العرش في 30 يوليو 2016 ذكر أن : “محاربة الفساد هي مسؤولية الدولة والمجتمع ، الدولة بمؤسساتها ، من خلال تنفيذ الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة ، ومعاقبة كل من يمارسها بحزم وقوة”. وقبل هذا التاريخ وافق المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005 ، وبالتالي أصبح ملتزما بالمشاركة في ورش عمل لمكافحة الفساد.

كما أن المغرب يمتلك مؤسسات مهمتها الرئيسية هي محاربة الفساد ، ومن أهم هذه المؤسسات : المجلس الأعلى للحسابات ، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. بالإضافة إلى أن جرائم الفساد تعتبر خيانة للأمانة وتستحق العقوبات التأديبية في جميع المؤسسات العامة والقوانين المهنية !

لذلك ، فإن ما نشهده اليوم من انتفاضة في مكافحة الفساد ليس إلا تطبيقا لتوجيهات ملكية ، وتفعيلا لقوانين موجودة أصلا ! وربما كان هناك بعض العوائق التي حالت دون هذه الحملة حتى بداية 2024.

عند العودة إلى النموذج الصيني وتجارب دول أخرى ، فإن مكافحة الفساد لا تحدث في ليلة وضحاها ، بل تمر بمراحل ، وتحتاج إلى وقت وصبر طويلين ، وخطط وقاية مستمرة.

فالصين ما زالت تواجه الفساد حتى يومنا هذا.

وتظل أفضل طرق مكافحة الفساد هي القضاء عليه من سلوك الأفراد من خلال التربية على المواطنة منذ الصغر.

فالرشوة لها جانبان : الراشي والمرتشي ، ولا يختلف ذنب الأول عن الثاني ، ويظل سلاح التوعية أهم ما يمكن مكافحة الفساد به.

فكما هناك رؤساء جماعات متورطون ، هناك أيضا من مختلف شرائح المجتمع ، كل من مكانته !

نتحدث هنا عن مجموعة من الناس ، نراهم يوميا في حياتنا ، قد يكونون أصدقاء أو جيران ، أو زملاء في العمل ، أو حتى أقارب. أنواعهم متنوعة ، فهذا موظف مرتشي. وذاك مسؤول ينهب المال العام. قد يكون بائعا يتاجر في مواد فاسدة أو يزيد الأسعار طمعا وجشعا ، قد يكون طبيبا لا يهتم بصحة المريض ، بل كل همه بناء “فيلا” الأحلام حيث المسبح الكبير ومساكن كلاب “الروتوايلر”.

قد يكون ممرضا يبيع دواء المستشفى العام ، أو أستاذا يعتمد على أحلام الآباء وأبنائهم من خلال الدروس الخاصة.

قد يكون موثقا ينهب أراضي الضعفاء ، أو قاضيا ، أو محاميا يخون موكله وعينه على سيارة “المرسيدس” التي يقترب من امتلاكها.

قد يكون صحفيا يصطاد في الماء العكر ، لا يهمه إن كان المحتوى الذي ينشره مخلًا بالآداب أو مسيئًا للحياء أو تشهيرًا بقدر ما تهمه إيرادات “الأدسنس”.

قد يكون صيدليا يبيع الدواء دون وصفة طبيب بل ويتجسد دور الطبيب ويعطي العلاج من تقديره ، فقط لتتحرك آلة الصرف وتطلق صوتها الذي يسعده.

قد يكون موظفا بنكيا يتلاعب بالأوراق ، وبعقول الزبائن المسكينين ويعطيهم قروضا قد لا تكفيهم أرباحهم الضئيلة، فهم يتجاهلون معاناة الغارقين، ويسعون فقط لزيادة دخلهم من كل عملية يقومون بها.

قد يكون مطورا عقاريا يخدع في الجودة، ويقتصد في الموارد ليحصل على أكبر نسبة من الفائدة ، ولا يبالي إن انهار المبنى على رؤوس سكانه.

وهذا يعني أن الكثير من المواطنين مستعدون للسعي للثراء بطرق غير شرعية إذا وجدوا الفرصة المناسبة لذلك ! وهذا هو المخاطرة، فالفساد موجود في العقول والضمائر قبل أن ينتشر في كل الجوانب.

مشاركة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *